الثلاثاء الثالث من زمن القيامة «الإنجيل
إنجيل اليوم (يو6: 28- 33)
28 فقالوا له: "ماذا نصنع لنعمل أعمال الله؟".
29 أجاب يسوع وقال لهم: "هذا هو عمل الله، أن تؤمنوا بمن أرسله الله".
30 فقالوا له: "أيّ آيةٍ إذًا تصنع، لنرى ونؤمن بك؟ ماذا تعمل؟
31 آباؤنا أكلوا المنّ في البرّيّة، كما هو مكتوب: أعطاهم خبزًا من السّماء ليأكلوا".
32 فقال لهم يسوع: "ألحقّ أقول لكم: ليس موسى من أعطاكم خبزًا من السّماء، بل أبي هو الّذي يعيطكم من السّماء الخبز الحقيقيّ.
33 النّازل من السّماء، والمعطي الحياة للعالم".
أوّلاً قراءتي للنصّ
نورد كمقدّمة لهذا النصّ الأفكار التالية: قال يسوع للجمع اللاحق به، وفي إطار آية تكثير الخبز والسمك (يو 6: 1- 15): "أنتم تطلبونني، لا لأنّكم رأيتم الآيات، بل لأنّكم أكلتم الخبز وشبعتم" (26)؛ ثمّ حاول يسوع أن يرفعهم إلى المستوى الخلاصيّ بقوله: "اعملوا، لا للطعام الفاني، بل للطعام الباقي لحياةٍ أبديّة"، الطعام الذي يعطيكم إيّاه ابن الإنسان (أي هو بالذات، الذي ختمه الله الآب) (27).
لدى سماع هذا الكلام، سأل الجمع يسوع: "ماذا نصنع لنعمل أعمال الله؟"(28)؛ فجاء جواب يسوع من خارج الإطار الموجود فيه هذا الجمع، عندما قال: "أن تؤمنوا بمن أرسله الله" (29)؛ فطالبه الجمع عندئذ، وكعادة الشعب اليهوديّ، بآية يعملها، ليروها ويؤمنوا، مذكّرينه بالآية التي عملها موسى حين أعطى آباءهم، في البرّيّة، خبزًا من السماء (المنّ) ليأكلوا (31).
احترم يسوع اعتقادهم هذا، واقترح تصحيحًا له بالإشارة إلى أنّ الذي أعطاهم الخبز من السماء (المنّ) كان، لا موسى، بل "أباه" الذي يعطي الآن الخبز الحقيقيّ، الخبز "النازل من السماء والمعطي الحياة للعالم" (33).
ثانيًا "قراءة رعائيّة"
شرح الآيتين (26- 27) كمقدّمة النصّ.
رأى الشعب نتيجة سلطة يسوع وما فيها من فائدة لهم، ولكنّهم لم يروا يسوع ذاته والسلطة المعطاة له في ذاتها، فظلّوا هكذا على مستوى العمل وشعروا بالدهشة أمامه، ولكنّهم لم يتخطّوا ذلك إلى مصدر العمل وعامله، فيؤمنوا به؛ اكتفى الجمع بأكل الخبز الذي يشبع، ولحقوا بيسوع الذي يعطي هذا الخبز، وليس بيسوع الذي، بإعطائه هذا الخبز، يريد أن يقول لنا بأنّه جاء حاملاً إلينا من الله الآب الطعام الحقيقيّ، الحياة الأبديّة.
لذلك، جاء سؤالهم: كيف نتخطّى عطيّة الخبز، "لنعمل أعمال الله؟ (28)؛ وجاء الجواب: بالإيمان الذي هو تعلّق بالله في شخص يسوع (29).
عندئذ، طلب الجمع من يسوع آيةً تضاهي آية المنّ التي عملها موسى لآبائهم في البرّيّة، واكتسب بها إيمانهم به؛ وطلبهم هذا قام على مقارنة مفترضة بين ما عمله موسى وبين ما عمله يسوع: أطعم موسى شعبًا كاملاً، ولمدّة أربعين سنة، وخبزًا (المنّ) من السماء؛ أمّا يسوع، فاطعم خمسة الآلف، مرّة واحدة، وخبزًا من الأرض ؛ لذلك، رأوا أنّ موسى لا يزال متفوّقًا على يسوع، مع أنّهم كانوا ينتظرون من "الآتي" أن يجدّد عطيّة موسى ويتخطّاها!
صحّح يسوع مقال اليهود: الآب هو الذي أعطى "المن"، لا موسى، هذا في الماضي؛ واليوم، الآب يعطي الخبز الحقيقيّ، يعطي الحياة الأبديّة التي ننتظرها بواسطة ابنه؛ كان موسى وبقي الخادم في بيت الله، أمّا يسوع فهو ابن الله، وهو بالتالي أعظم من موسى، وهو يدعو شعبه إلى الإيمان سواء رأى أم لم يرَ (راجع يو20: 29)؛ وهكذا بدا موسى (1: 17؛ 5: 45- 46؛ 7: 19، 24) صورةً عن يسوع، كما بدا يعقوب (4: 4- 15)، وإبراهيم ( 8: 31- 59): فالعهد القديم، بنظر المسيحيّين الأوّلين، يرمز إلى ابن الله المتجسّد.
حاول يسوع أن يرفعهم، بكلامه عن خبز الله الذي هو أهمّ من المنّ، وعمّن يعطي هذا الخبز، أي يسوع ذاته، الذي كان موسى صورةً عنه؛ ولكنّهم ظلّوا على المستوى المادّيّ، شأنهم شأن نيقوديموس(3 : 4)، والسامريّة ( 4: 15)؛ وكم استصعبوا مثل هذا الكلام الخلاصيّ في مواقف أخرى ، وابتعدوا عته وتركوه، كلّما كان يتمادى فيه لبعض الوقت.
الأب توما مهنّا